لم يعد الأمر تقليدياً بعد اليوم، فكل شيء يمضي بوتيرة متسارعة، إنه عام 2070، حيث تعج المزارع الإماراتية بالروبوتات، فمع بواكير الصباح، تبدأ سيارات ذاتية القيادة حراثة الأرض، تقودها روبوتات، تتابعها طيارات «درون» مسيّرة طوال الوقت، ترش البذور وتمنحها تقريراً مفصلاً عن حالة التربة والرطوبة، توجهها بطريقة ذكية، حتى يبدأ الحصاد، لتقوم سيارة أخرى تعمل بالطاقة الشمسية بعملية القطف، واختيار الثمار الناضجة، وتستثني التي لم تنضج بعد، ثم ترسل تقارير مفصلة عن حالة الثمار، وفي حالة وجود آفة زراعية يقومون بتحديدها والتعامل معها؛ معلومات مفصلة ترسل إلى غرفة التحكم الرقمية التي تعتبر العقل المدبر للمزرعة، وتقوم بعمل الإحصائيات اللازمة، فضلاً عن وجود عمال آليين وسياج افتراضي غير مادي وحقول رقمية وغرفة تحكم آلية، وأكثر من ذلك.
صورة افتراضية ونظرة استشرافية رصدتها «البيان» مستلهمة إياها من المساعي الوطنية حول مستقبل الزراعة، والجهود المستدامة التي تدفع بالزراعة والأمن الغذائي نحو مسارات مستقبلية مغايرة، لتجعل دولة الإمارات في مصاف الدول العالمية التي تعتمد على ثلاثية الأتمتة والحلول المبتكرة والأبحاث الزراعية لاستدامة الغذاء.
وفي سياق متصل، بات البحث والتقصي حول الحلول الجديدة والدراسات المتطورة المتعلقة بالقطاع الزراعي، ضرورة حتمية وبؤرة حيوية، تصاغ من أجلها الاستراتيجيات، باعتبارها رافداً أساسياً للأمن الغذائي، والتي من شأنها حث المساعي والدعوة لتشجيع البحوث العلمية الزراعية.
وهذا النهج الذي سارت على خطاه حكومة الإمارات وكل الجهات المسؤولة عن الزراعة في الدولة بما فيها هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، حيث تتخذ سياسة تنموية قائمة على توجيه الاستثمار في القطاعات الزراعية والغذائية والتكنولوجية، فالقطاع الزراعي في أبوظبي أصبح يسهم بأكثر من 40 منتجاً زراعياً محلياً مختلفاً.
شراكات
ولأن تلاقح الأفكار العالمية له أهمية كبيرة في الوصول إلى الأهداف المستدامة التي رسمتها الهيئة، قامت العديد من الشراكات الدولية ومذكرات التفاهم التي تدعم منظومة الأمن الغذائي، مع العديد من مراكز البحوث والجامعات والقطاع الخاص على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي، والتي تخدم تحقيق رؤية وأهداف الهيئة في مجالات الاستدامة الزراعية و الأمن الغذائي والحيوي، من أهمها اتفاقية في مجال الزراعة والتقنيات الزراعية الحديثة مع معهد التنمية الريفية RDI بجمهورية كوريا الجنوبية، واتفاقية خطة التنمية الزراعية المستدامة مع منظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة FAO، واتفاقيات مع المنظمة العالمية لصحة الحيوان OIE، واتفاقية مع المركز الدولي للزراعة الملحية في دبي ICBA.
عصب الغذاء
التكنولوجيا الزراعية أصبحت أبجدية الشركات الباحثة عن استثمار منتعش وغذاء مستدام، تمهيداً لمستقبل زراعي متطور في الإمارات، ولتسليط الضوء على هذه الجهود والمساعي، «البيان» التقت بعض الشركات الوطنية التي أكدت أن التكنولوجيا عصب استدامة الغذاء اليوم وغداً.
وأكدت شركة جنان للاستثمار أن الاهتمام بالجوانب الأربعة المتمثلة في الري والمعدات التقنية والتطوير المستمر وتسهيلات سلسلة التوريد، تشكل أساساً متيناً لدعم الزراعة الوطنية والاستثمارات الخارجية اليوم وفي المستقبل، وتركز الشركة على دعم هذه الجوانب بالأبحاث والتطوير المستمرين، الأمر الذي ساهم لتكون لاعباً أساسياً في عملية تحقيق الأجندة الوطنية وتعزيز الأمن الغذائي، ما جعل الشركة في مقدمة الشركات الاستثمارية في مجال الزراعة وإنتاج الأغذية بالإمارات والمنطقة.
ري «تحت سطحي»
في 5 قارات حول العالم، تنتشر المزارع التي تمتلكها شركة الظاهرة الزراعية، حيث شرعت الشركة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتحديد ولاية أريزونا باستخدام أنظمة الري تحت السطحي، وهذه أنظمة معروفة بكفاءتها الكبيرة لتوفير المياه ومساهمتها في الاستدامة، وذلك لخفض الكميات المستخدمة من الأسمدة والمبيدات إلى حد كبير جداً والمحافظة على النبات واستمراريته إلى أكبر فترة ممكنة.
وفي رومانيا أيضاً، تستخدم شركة الظاهرة أكبر وأضخم حاصدات الذرة والقمح.
أتمتة الزراعة
وبطبيعة الحال، تستند النظرة الاستشرافية لمستقبل الزراعة في دولة الإمارات لممكنات ذات معايير رفيعة وتلاقح الأفكار المستدامة على الصعيد العالمي والإقليمي، وتنبأت بها العديد من التقارير العالمية التي ناقشت مستقبل الزراعة التقني في الشرق الأوسط، وبدورها راسلت «البيان» أندريا غراهام، رئيسة سياسة الخدمات بالاتحاد الوطني للمزارعين ومُعدة تقرير مستقبل الغذاء في عام 2040، لرصد التوجهات الدولية حول مستقبل الزراعة التقني، حيث أكدت غراهام أنه من الأهمية بمكان التفكير الجاد حول كيفية زيادة الإنتاجية وتقليل التأثير على البيئة، فثمة تكنولوجيات تخضع للتطوير من شأنها العناية بالمحاصيل وبكل زراعة أو التحكم في مرعى الماشية دون سياج مادي، وبحلول عام 2040 ستشيع تلك التكنولوجيا في مجال الزراعة، والخطوة الثانية هي أنه لا بد لقطاع الزراعة أن يصبح أكثر كفاءة للتقليل من حجم انبعاثات الغازات الدفيئة، إذ يلعب القطاع الزراعي دوراً بارزاً في زيادة تلك الغازات على مستوى العالم.
وقالت غراهام: على مدار العشرين سنة المقبلة سنواجه تغيرات محتملة ناشئة عن الزلازل، بالإضافة إلى زيادة عدد السكان في العالم والحاجة إلى الحد من تغير المناخ في التفكير بحلول تقنية مستدامة، ومنها الزراعة الرأسية والمحاصيل الصاعدة، إذ سيؤدي إدخال الزراعة الرأسية والتطورات الحديثة التي ستطرأ على تقنية استخدام الإضاءة الصناعية في الزراعة (إضاءة الليد)، إلى توسيع نطاق المحاصيل التي يمكن زراعتها باتباع الزراعة المائية والنظام الغذائي المائي والأنظمة البيئية الأخرى الخاضعة للمراقبة.
وأضافت غراهام أنه سينتشر استخدام الطائرات بدون طيار «الدرون» أو الطائرات بدون طيار للاستشعار ورسم الخرائط على نطاق واسع، في حين أن الروبوتات ستؤدي المهام التي تحتاج إلى يد عاملة كثيرة، مثل قطف الثمار وتغذية الماشية وحتى الذبح، بل سيتم إدارة الحصاد والزراعة من خلال غرف تحكم ذكية.
وأضافت أن التوقعات العالمية تشير إلى أن مجال الزراعة الرأسية سينمو بشكل كبير خلال السنوات القليلة المقبلة، وستنمو زراعة الخضراوات الورقية والخضراوات الأخرى والفاكهة على نطاق واسع بتطبيق تلك التكنولوجيا.
وبيّنت غراهام أن أحد الاتجاهات الرئيسية الأخرى لتحقيق الأمن الغذائي حول العالم هو الطعام المطبوع بالتقنية ثلاثية الأبعاد، وستنتج هذه التقنية أجساماً معقدة من المواد الغذائية اليومية عالية بقيمتها الغذائية، ومن شأن هذه التقنية إنتاج المزيد من الأغذية حسب الطلب والحد من إهدار الطعام.
أوضحت غراهام أن التكنولوجيا ستلعب دوراً محورياً بشكل متزايد، إذ ستتمكن أجهزة الاستشعار النانوية التي سوف يتم مستقبلاً استخدامها على نطاق واسع من جمع مجموعة كبيرة من المعلومات، مثل بيانات التربة ومستويات الرطوبة.
سلامة الأغذية
وفي سياق متصل، تتجه النظرة الاستشرافية فيما يخص الزراعة وسلامة الغذاء نحو الأتمتة، وهذا ما يؤكد عليه بوراك كارابينار، المدير الإداري في كيو إس مونيتور، أحد الفائزين في جائزة تحدي تكنولوجيا الغذاء، الذي أوضح أن الشركة قدمت منصة إلكترونية توفر إمكانية تتبع سلامة الأغذية.
وحول الأهمية العلمية والاقتصادية المستدامة لهذا المشروع على المدى الطويل، أكد بوراك أن المنصة ستسهم في خفض زمن وتكلفة إجراءات التجارة بين البائع والمشتري والجهات الحكومية.
بيوت زجاجية ذاتية
ولأنها تمتلك رؤى طموحة، تقوم بتنفيذها فعلياً عبر الاستثمار لإنجاز رؤيتها المستقبلية، تتمتع دولة الإمارات بنظام اقتصادي مستقر، وعملة مستقرة، وقطاع خاص مزدهر، ونظام بيئي لريادة الأعمال سريع التطور، هذا بالإضافة إلى دعم التغيير والنمو والتنويع الاقتصادي القائم على المعرفة، واستثمار رأس المال، باتت جميعها المواد الخام اللازمة لتحقيق النجاح والإنجاز على نطاق واسع»، هكذا عبر ساكي كرتز، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس، لبيور هارفيست سمارت فارمز، حيث تقوم الشركة القائمة في دولة الإمارات بتصميم وبناء وتشغيل أنظمة بيوت زجاجية زراعية عالية التقنية، يتم التحكم بمناخها الداخلي وتحويل أشعة الشمس الطبيعية والوفيرة في المنطقة إلى فواكه وخضراوات طازجة عالية الجودة وخالية من بقايا المبيدات، وبذلك يتم تقديم حل مبتكر لمعالجة الأمن الغذائي.
كل المؤشرات الحالية، والجهود الوطنية وتبني أنظمة الأتمتة والأبحاث المبتكرة والاستثمارات الزراعية الأجنبية في الدولة، تشير إلى أن الإمارات لم تدخر أي وقت أو جهد لترسم مساراً زراعياً قويماً يدعم نهجها المستدام في خلق أمن غذائي مستدام، وباتت حاضنة للأفكار ومختبراً واسعاً لتنفيذ الخطط ورسم الأهداف، التي ستجعلها في القريب العاجل قبلة للزراعة الحديثة والأتمتة الذكية..
من كان يعتقد أن كل احتياجاتنا الغذائية سيتم اختصارها في كبسولة صغيرة؟ سؤال يطرحه العديد من المهتمين فيما يتعلق بالأمن الغذائي ومحاربة الجوع حول العالم، وهذا ما أكده الدكتور خالد أبو طه، المتخصص في مجال إنتاج الطحالب، الذي كشف لـ«البيان» أن العديد من المنتجات الغذائية والأدوية سيتم إنتاجها قريباً من الطحالب الخضراء، وكبسولة واحدة فقط تشتمل على كل الاحتياجات الغذائية للإنسان ليوم كامل، حيث يتم إنتاج الطحالب من خلال جميع أنواع المياه، والتي يجب مراعاة عدم احتوائها على الكبريت، ويتم تحليل المياه، ومعالجتها للاستفادة منها، حيث تستخدم في مجال إنتاج الأدوية والأعلاف والأسمدة ومواد التجميل وبترول الطائرات.
وأكد أبوطه أن الطحالب تعتبر بروتين المستقبل لاحتوائها على تركيز عالٍ من المعادن والفيتامينات والبروتينات والأحماض الأمينية والحديد والكالسيوم، كما أنها تعتبر مضادة للشيخوخة، وغذاءً بديلاً عالي الجودة، لذلك يعتبر استخدام الطحالب في هذا المجال حلاً مميزاً لمعالجة مشاكل الأمن الغذائي مستقبلاً، الأمر الذي يجعل العبور لمستقبل تقل فيه مشاكل المجاعة ومشكلات الأمن الغذائي يسيراً باستخدام التقنيات الحيوية، حيث تشكل حبة واحدة يومياً لطفل يعاني من مشاكل صحية في أكثر الدول فقراً لمدة 3 أشهر، حلاً ناجعاً ليستعيد صحته بشكل كامل حسب الأبحاث الحديثة، باعتباره الغذاء القادم إلى الأرض، حسب ما وصفته منظمة الصحة العالمية.
أولوية
أكد بوراك كارابينار، المدير الإداري في كيو إس مونيتور، أن دولة الإمارات كانت مؤهلة تماماً لتكون حاضنة لهذا المشروع، حيث أشار إلى أنه تم تصميم المنصة لتكون مختصة في عملية تصدير واستيراد المواد الغذائية، وبما أن دولة الإمارات تستورد 90% من احتياجاتها الغذائية، فإن تبسيط إجراءات تجارة المواد الغذائية يعد عامل حسم رئيساً في تحقيق الأمن الغذائي، ويعد الأمن الغذائي أولوية قصوى بالنسبة للدولة خاصة بعد تجربة جائحة كوفيد 19.
أفكار خلاقة
أوضح ساكي كرتز، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس، لبيور هارفيست سمارت فارمز، أن دولة الإمارات تعد وطناً يحتضن الأفكار الخلاقة، لاسيما فيما يتعلق بالزراعة، وإتاحة الفرصة للتأكد من الاشتراطات اللازمة لهذا النوع من المشاريع، وتركز رؤية الشركة على أنه في غضون خمس سنوات من الآن، ستكون رائدة إقليمياً في مجال الأعمال التجارية، هذا بالإضافة إلى تطوير حلول لإنتاج أقل تكلفة بنسبة من 20 إلى 40%، وتقديم إنتاج أكبر بنسبة من 20 إلى 40% لكل وحدة من «الضوء» (طاقة الشمس) والتي يمكننا حصادها، وستقوم الشركة بتوحيد تكاملها مع البنية التحتية المتجددة لمتطلبات الطاقة وثاني أكسيد الكربون، واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة في أنظمة التبريد لتقليل التأثيرات المحتملة على البيئة.
المصدر: أبوظبي - منى خليفة